اخبار

السبت، ٢٤ يوليو ٢٠١٠

سبب الغياب


كتابى الجديد
إن شاء الله خلال أيام
صادر عن دار مزيد
دعواتكم

الخميس، ٨ يوليو ٢٠١٠

عن برامج ضغط الدم أتحدث!


دعونا نتفق فى البداية أن جيلى _جيل الشباب_ ليس ناكرا للجميل، وأنه بالطبع كأى جيل يستمد خبرته وتجاربه من الجيل السابق ومن سبقه.. لدينا عين نبصر بها تجعلنا على دراية حقيقية _إلى حد ما_ بالغث والسمين.. نشأنا فى عصر الإنترنت والبلوتوث فسخَّر الله لنا ما قلَّص المسافة بيننا وبين أجيال كثيرة فى ضغطة زر.. نحترم مبدعينا السابقين ونقرأ ما خطته أيديهم بعين التعلم والاعتبار، وإن زادت عليها عين النقد والتمحيص أحيانا، هذه هى البداية التى أعتقد أنها ستغفر لى ما سأكتبه وحتى أوفر كلمات النقد التى ستطولنى إن تحدثت عن أحد من عظماء الماضى أو جيل المبدعين السابقين!
أصبحنا على مشارف شهر رمضان الكريم الذى أنزل الله فيه القرآن بينما أنزلت القنوات فيه المسلسلات.. ويكون سؤال الصالحين فيه: ختمت كام جزء لحد دلوقتى؟ بينما سؤالنا نحن: ختمت كام برنامج لحد دلوقتى؟.. ليس هذا حديثنا بالتأكيد فكاتب هذه السطور لا يختلف كثيرا فى ذنوبه عمن ينتقده، وإنما كنت أقصد أن خريطة البرامج بدأت تتضح كالعادة قبل شهر رمضان وصارت كل قناة تعرض ما لذ وطاب من منوعاتها الشيقة التى تحاول بقدر الإمكان وعلى قدر استطاعتها أن تصرف الناس بها عن شهر رمضان الحقيقى!
لم أتمالك نفسى بصراحة من الغيظ عندما شاهدت إعلان برنامج عن الشاعر (عبد الرحمن الأبنودى).. ربما لأننى كنت أتوقعه وأتوقع أمثاله من البرامج.. هل تريد أن تعرف نوعية هذه البرامج المتوقعة؟
برنامج عن عبد الرحمن الأبنودى.. سيتكلم فيه عن أمه وذكرياته معها وأنها هى التى جعلته يحب الأمثال الشعبية والحكى.. وعلاقته بأمل دنقل الشاعر الكبير.. وصداقته وقربه من عبد الحليم حافظ.. وذكرياته أيام حرب السويس ووجوه على الشط.. وعلاقته بزوجته نهال كمال وبنتيهما اللتين رزقهما الله بهما على كبر.. ويتبع ذلك بقصيدتى (يامنة) و(جوابات حراجى القط)!
برنامج عن أحمد فؤاد نجم.. سيتكلم فيه عن عدد المرات التى اعتقله فيها النظام.. وعلاقته بعبد الناصر والسادات السيئة وسيقول حكمته الخالدة إن سجن عبد الناصر أفضل من سجن السادات الذى خرب البلد، وإن أيامنا الحالية أسوأ من جميع الأيام.. وسيحذف الجملة الأخيرة إن كان البرنامج على قناة مصرية وسيطلقها إذا كانت على قناة أخرى.. ليس خوفا بالتأكيد وإنما مراعاة للقواعد الإعلامية وسقف البرنامج.. وسيتحدث عن زوجاته وعزة بلبع وصافيناز كاظم وغيرهن.. وحكاياته مع الشيخ إمام.. وسيتلو بعد ذلك قصيدة (البقرة حاحا) أو (البتاع)!
برنامج مع يوسف القعيد.. سيحكى فيه ذكرياته مع الأستاذ هيكل الذى لم تنجب مصر مثله ولن تنجب أبدا مثله بعد ذلك _فى اعتقاده بالطبع_ وسيحكى عن بداية علاقته معه وكيف أن الأستاذ منتظم فى مواعيده ويشرب ويأكل ويقابل الناس مثل البشر العاديين.. وستأتى مجموعة صور له مع الأستاذ أو صور لمكتب الأستاذ!
برنامج مع عادل إمام.. يحكى كيف صعد سلم المجد حتى وصل لهذه المكانة _اللى أنا مش عارف هيه فين أصلا_ ويشتم فى حماس وحزب الله وسوريا.. ويحلف على ألف مصحف أنه يحب التوريث ويعشق الحكومة الحالية_أى حكومة حالية_ ويؤكد أن أفلامه هى تاريخ لحقيقة مصر وشعب مصر ولحم ممثلات مصر، وأنه يفهم فى الدين أحسن من أجدع شيخ فيك يابلد، ويتبع ذلك بنكتة حدثت له فى أحد المهرجانات الأجنبية _فى نفس المهرجان مع نفس الشخص كل مرة_ وينصح الشعب بالصبر على الحكومة خمسين سنة كمان واحنا هنشوف الخير اللى جاى.. ويتبع ذلك بمقتطفات من أفلامه ليتحول البرنامج إلى قبلات وأحضان وآهات وضرب على المؤخرات!
برنامج مع الفنانة أو الراقصة أو المخرجة الفلانية تستضيف فيه أصدقاءها من الوسط الفنى تسألهم عن العديد من الأشياء بالغة الأهمية فى حياتهم وفى تاريخ مصر المعاصر مثل علاقاتهم الجنسية قبل الزواج ونوعية الحبوب التى "بلبعها" كل منهم ليلة الدخلة وكيف يمارس الحب بعد الزواج مع امرأة أخرى بعيدا عن تضييق زوجته.. أشياء مفيدة فعلا ولكن بالنسبة لقناة قبرصية وليس على مائدة رمضانية لقناة عربية!
هل تريد أن أتحفك بكمية أخرى من البرامج والضيوف حتى تفهم مقصدى؟ مجموعة من الحوارات والبرامج كل مرة مع نفس الضيوف يقولون نفس الكلام بنفس النكت السخيفة ومشاعر العظمة المفتعلة التى لا ترقى إلى سمت التواضع المفترض مع أناس مثلهم بلغوا _على حد قولهم_ أعلى سلم المجد، يختلف كل مرة شكل الحوار.. فمرة تحاوره زوجته ومرة صديقه ومرة يقدم هوه نفسه ومرة يكون الحوار فى مكتبه أو بيته أو على النيل.. المهم أنه نفس الضيف ونفس الكلام!
سيسألنى البعض: وهل ترفض ظهور هؤلاء على الشاشة أو إعطاءهم حقهم؟ والإجابة هى الرجوع إلى افتتاحية المقال.. بالطبع لا.. ولكن كل ما أرجوه أن يكون كلامهم متجددا وفى موضوعات مختلفة تهم المشاهد.. موضوعات تزيدنى قوة وتحملا فى هذا الواقع المرير.. سأسعد كثيرا إذا أعطانى أى منهم دفعة ولو صغيرة فى هذا الواقع ولكننى سيركبنى "العصبى" إذا وجدت أن كل كلامهم عن نبوغهم وتاريخهم المشرف وقدراتهم الخارقة التى فاقت قدرات أدهم صبرى!
ما الذى ينفعنى من مجرد الاستماع إلى حكايات صعيدية حدثت منذ خمسين عاما بين أم وابنها وحكايات بين الشاعر وعبد الحليم وخاصة إذا كان كل منا قد رضع هذه القصص مع لبن أمه؟ ما الذى ينفعنى عندما أستمع إلى ذكريات فى المعتقل كدنا أن نحلم بها من كثرة ما شاهدناها وسمعناها؟؟ إذا كان هؤلاء النجوم بالفعل ممن كونوا ذاكرة الشعب المصرى أثناء حقبة من التاريخ، فواجبهم يفرض عليهم أن يبتعدوا قليلا عن الذاتية وأن يلتفوا حول الشعب ليلتف حولهم الشعب.. ويطرحوا رؤيتهم للأحداث.. يطرحوا الرؤية من جيل عاصر زخما من الأحداث طوال تاريخه لجيل لم يعش حدثا واحدا يلتف حوله فى هذا العصر الأفقى بلا منحنيات.. رؤية شاملة على واقع مرير من الواجب أن نسطره نحن!
ولتتأكد من أن كل هؤلاء قد انفصلوا عن عالمنا، عد أنت إلى الإبداع الأخير لكل منهم أو لغيرهم.. انظر إلى القصائد الأخيرة للشعراء الكبار.. والأفلام الأخيرة للفنانين الكبار.. والكتابات الأخيرة للكتاب الكبار.. وهكذا.. ستجد أنها أسوأ ما أبدع كل منهم.. ولهذا فقد رضخ كل منهم لقدرته المحدودة الآن.. وآثر أن يكون وجوده على الساحة مجرد استرجاع لماض.. مجرد ملأ خانات برامج المنوعات للكلام عن ماضيه وذكرياته!
انظر إلى المبدعين الحقيقيين، ستجدهم إلى آخر حياتهم آثروا أن يكونوا مع أدبهم وعلمهم وموهبتهم إلى آخر نفس.. فخلدهم الأدب والعلم بفضل الله ورفعتهم الموهبة إلى عنان السماء.. أما الذين ضاقت بهم موهبتهم وصار كل اعتمادهم على تاريخهم الذى صنعوه فى فترة كانت تشتاق أساسا إلى أنصاف المواهب فإنهم وجبة دورية على مائدة رمضان وفقط!
وحتى لا يتهمنى أحد القراء الاتهام المعروف والمشهور فى مثل هذه المقالات: طب وانت عملت إيه يعنى أو انت مين فى مصر؟ سأجيبه مسبقا: أنا مستمع ومشاهد عادى جدا.. شاب مصرى بسيط.. ولتفترض أننى غير مبدع بالأساس.. ولكن لى الحق على الأقل أن أقول لكل هؤلاء الذين لا يجدون إبداعا غير الكلام فى القنوات وصفحات الجرائد.. لكل هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بتجاربهم التى لا تناسبنا ولا نناسبها.. لكل هؤلاء الذين يحشرون رؤوسهم سياسيا واقتصاديا فيما لا يفهمونه لمجرد أنهم من الفنانين الكبار.. لكل هؤلاء الذين تركونا نعانى من أزمات البطالة والزواج وتلوث المياه وطوابير العيش والغاز وحالات الانتحار الجماعى كراهية فى الحياة وأتحفونا بضحكاتهم وهم فى الاستديو المكيف وأمامهم المياه المعدنية والعصير.. لكل هؤلاء أقول لهم: حرام عليكم.. صدعتونا!